سير أكثر من ألف ومائتي عالم وعالمة..نعم وعالمة
ممدوح الشيخ
لم تعرف المكتبة العربية مؤرخًا غزير الإنتاج متنوع التأليف مثل الإمام الذهبي وقد بلغت مؤلفاته التاريخية وحدها نحو مائة وخمسين كتابًا ويجمع الذهبي بين ميزتين الإحاطة الواسعة بالتاريخ الإسلامي والمعرفة الواسعة بقواعد الجرح والتعديل للرجال، وهو من العلماء الذين دخلوا ميدان التاريخ من باب الحديث النبوي وعلومه. والإمام الذهبي تركماني الأصل دمشقي الإقامة واشتهر باسم شمس الدين الذهبي وهو: محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز ولد في دمشق سنة 673 هجرية (ت 748 هجرية) وتلقى العلم عن كثيرين أشهرهم المؤرخ ابن عساكر ثم رحل إلى القاهرة وقد ذكر شيوخه الذين سمع منهم، والذين أجازوه في معجمه الكبير الذي تضمن أكثر من ألف ومائتي عالم وعالمة. والذهبي خرَّج الأحاديث لجماعة من شيوخه وجرح وعدَّل وفرَّع وصحَّح وعلَّل واستدرك وأفاد وانتقى، واختصر كثيراً من تآليف المتقدمين والمتأخرين، وكتب عِلماً كثيراً وصنف الكتب المفيدة، فقال عنه السيوطي: "إن المحدثين عيال الآن على أربعة: المزي والذهبي والعراقي وابن حجر". ألف الحافظ الذهبي العديد من المصنفات القيّمة النفيسة وجميعها مقبولة وله فيها تعبيرات رائعة وألفاظ رشيقة غالباً لم يسلك مسلكه فيها أهل عصره وبالجملة فالناس في التاريخ من أهل عصره ومن بعدهم عيال عليه ومن أطول كتبه: "تاريخ الإسلام"، ومنها: "ميزان الاعتدال في نقد الرجال" ومصنفاته ومختصراته وتخريجاته تقارب المائة مصنف، وقد أحصى له الدكتور بشار عواد معروف 214 مؤلفا.
وقد استخرج الإمام الذهبي كتابه "سير أعلام النبلاء" من كتابه الضخم: "تاريخ الإسلام" فأسقط الحوادث مكتفياً بالوفيات وقد رتب تراجمه على أساس الطبقات التي تعني فترة زمنية محددة، وقد جعلها عشر سنوات في كتابه الأم "تاريخ الإسلام" فيذكر الحوادث سنة بعد سنة، ثم يذكر في نهاية الطبقة تراجم الوفيات من الأعلام مع الالتزام بترتيبها على حروف المعجم. في حين جعل الطبقة في سير أعلام النبلاء عشرين سنة، ومن ثم اشتمل الكتاب على خمس وثلاثين طبقة. وتتجاوز الطبعات الحديثة من الكتاب العشرين مجلدا. وإذا كان الكتاب قد اشتهر بهذا الاسم فله في الحقيقة أسماء عديدة منها: "تاريخ العلماء النبلاء"، "تاريخ النبلاء"، "كتاب النبلاء"، و"أعيان النبلاء".
وقد استعمل الحافظ الذهبي أسلوباً فريداً في انتقاء التراجم ووضع لها العديد من الأسس، منها الشمول النوعي: فلم يقتصر على نوعٍ معين من الأعلام، بل تنوعت تراجمه فشملت فئات كثيرة من الناس: الخلفاء، الملوك، السلاطين، القضاة، الوزراء، المحدثين، الفقهاء، الأدباء، الأطباء اللغويين، النحاة، والشعراء. من ماحية أخرى عمل الحافظ الذهبي على أن يكون كتابه شاملاً لتراجم الأعلام من كافة أنحاء العالم الإسلامي من الأندلس غرباً إلى أقصى الشرق. كما وازن في عدد الأعلام الذين يذكرهم على امتداد المدة الزمنية التي استغرقها الكتاب والبالغة سبعة قرون فلم يفضل عصرا على عصر آخر. والتراجم الواردة في الكتاب متفاوتة في الحجم فبعضها لا يتجاوز بضعة أسطر وبعضها يتجاوز المائة صفحة لأنه لا يعطي كل صاحب ترجمة ما يستحقه فمثلاً يكتب في الإمام أحمد بن حنبل أكثر من مائة صفحة يترجم لجنكيز خان